منذ سقوط بن علي و هروبه الجبان الى بلاط حماة الطغيان و أنا أستحضر مقطعا من رواية الياطر. كنت قرأته أيام الصبى و لم أُعد. و لكن المقطع لم يغادر مخيلتي و كلما دخلت في نقاش مع من يدعوا الى "مواصلة المش وار الإصلاحي" و "عدم القطع مع الماضي" و "الكف عن الإحتجاجات و الإعتصامات" و مع من ينظر الى أهالي المناطق الفقيرة و المناطق العميقة و كأنهم جرذان أو كأنهم سقط متاع. أصمت, أتنهٌد ثم أقول : "هل تعرف قصة الذئاب و الكلاب التي سردها زكرياء المرسنلي بطل رواية الياطر ؟" . تكون الإجابة بنفي سريع ثم تتواصل الغوغاء و يتواصل من الحديث البغاء و لا أتعلم من كلام محدثي شيئا و لا يتعلم من كلامي شيئا. و نمضي كل في شأنه و قد انتاب كلانا صداع .
أما وقد حمى وطيس الكلام و تفاديا لصداعي المتكرر و بدلا عن اصطناع حوار ليس بحوار, إلتجأت الى أرشيفي و جعلت أنبش في كتبي الى أن وجدت القصة و عثرت على المقطع الذي طالم اشرت اليه : هذه القصة التي سردها "زكرياء المرسنلي" البحٌار الشجاع لصديقه "عبعوب" البسيط في رواية "الياطر" لحنا مينة...قال زكرياء لعبعوب ..".هل تعرف أيها الكلب أصل الكلاب" ...لم يقل عبعوب لزكرياء ..."الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما" ...بل فتح عينيه كالأحمق ...وتدلى لسانه وهو يسمع القصة ....قال زكرياء ..."يحكى يا عبعوب الكلب ...أن بنت احد الملوك في قديم الزمان وسالف العصر والأوان قد امتنع عليها النوم وأصابها الأرق بفعل عواء الذئاب المتكاثرة حول أسوار المملكة ..فاشتكت الأمر لأبيها الذي أرعد وأزبد وأمر الوزير الذي دبر قبل أن يطير رأسه ...استقر الأمر على إلقاء المحكوم عليهم بالإعدام خارج أسوار المملكة أحياء لتتدبر أمرهم الذئاب – ماداموا سيموتون بالمقصلة أو بالمشنقة أو بمخالب الذئاب – وهكذا سكن العواء برهة ونامت الأميرة ليال هادئة ...ولما نفذ رصيد المحكوم عليهم بالإعدام تقرر إلقاء المرضى الميئوس من شفائهم رحمة بهم وإنقاذا لهم من الم المرض وهو ما لم يدم طويلا ...وعندها تم الالتجاء إلى الحيوانات المسنة والنطيحة والعجفاء والبتراء لتأكلها الذئاب هنيئا مريئا...ولما شحت موارد الثروة الحيوانية قرر الخدم إلقاء فواضل الموائد وما عافه الملك من مآكل وحلويات ...والغريب يا عبعوب الكلب ....إن ذئابا عديدة لم يرضها الوضع الجديد ورفضت أكل الزبالة والجيف فانطلقت إلى أدغال الغابة لتمارس فعل الفتك الشجاع وافتراس اللحم الحي بعرق مخالبها وأنيابها ....غير أن ذئابا – رخيصة – رضيت بالقليل و اطمأنت إلى استهلاك الفواضل الملكية و استقرت حول الأسوار تنتظر رزقها دون عواء أو احتجاج ...وبمرور الزمن توطدت علاقتها مع الحراس وتحولت إلى حيوانات داجنة لطيفة ....ثم سمح لها بالدخول و أصبحت تتجول في شوارع المملكة بعد أن فطست أنوفها وقلعت أنيابها و قلمت مخالبها و ترهلت عضلاتها و ارتخت آذانها وتحولت بسحر الفواضل كلابا سائبة ...الكلب ...يا "عبعوب" ذئب فقد كرامته يا ابن الكلب ...."
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire